هل نُشبه ما نبنيه؟ نظرية “أركي-جينيتكس” تفتح بابًا جديدًا لفهم العمارة عبر الوراثة

هل نُشبه ما نبنيه؟ نظرية “أركي-جينيتكس” تفتح بابًا جديدًا لفهم العمارة عبر الوراثة

عندما ننظر إلى مدينة مثل طوكيو، ونقارنها بمشهد عمراني في جدة أو القاهرة، لا نرى فقط فرقًا في الطراز والأسلوب، بل نكاد نلمس اختلافًا في الشخصية… في الهوية… في “الملامح”. فهل العمارة انعكاس لجماليات البيئة فقط؟ أم أن الإنسان، بكل ما فيه من مورّثات وصفات، ينعكس لا شعوريًا في تفاصيل ما يصنعه؟

هنا تبدأ قصة نظرية جديدة تُعرف باسم “أركي-جينيتكس” (Archigenetics) – أي “الوراثة المعمارية”.

هذه النظرية الفريدة صاغها المعماري والفنان السعودي إبراهيم نواف جوهرجي، الذي قضى أكثر من عقدين من الزمن في استكشاف العلاقة بين الهوية الوراثية والعمارة. يقول جوهرجي في بحثه المنشور مؤخرًا، إن تفضيلات الشعوب المعمارية لا ترتبط فقط بالثقافة أو المناخ، بل تنبع من جذور أعمق – من الشيفرة الجينية للإنسان، ومن ميله الفطري نحو أنماط وتفاصيل تُشبهه فعليًا.

من الفراسة إلى العمارة

ينطلق البحث من مفهوم الفِراسة العربيّة – وهي القدرة على قراءة ملامح الوجه واستنتاج الطباع والصفات – ويأخذها خطوة أبعد، ليربطها بالعمارة. فكما تتشابه بعض الكلاب مع أصحابها، أو كما يمكن للإنسان أن ينجذب إلى وجه معين دون تفسير منطقي، كذلك نحن ننجذب إلى أنماط معمارية بعينها… لأنها تشبهنا.

في دولٍ كثيرة، نجد حبًا للتماثل الحاد والخطوط الصارمة، بينما في دول أخرى، تسود الأشكال العضوية والتفاصيل العاطفية. من هذا التنوع، يستنتج البحث أن هذه الاختلافات ليست عشوائية، بل “تحاكي وجدانًا داخليًا متوارثًا عبر الأجيال”.

مشروع بحثي غير مسبوق

اللافت أن نظرية “أركي-جينيتكس” ليست نظرية تجريدية فقط، بل مدعومة بملاحظات بصرية وخرائط ذهنية وسينوغرافية تم تطويرها عبر مشاريع معمارية حقيقية.

وقد نُشرت الدراسة مؤخرًا ضمن مكتبة INJ Architects تحت إشراف جوهرجي، حيث يوضح فيها أن “العمارة ليست مرآة للمجتمع فقط، بل مرآة للوراثة البشرية… للهوية التي لا تُرى، لكنها تُبنى.”

وتُعد هذه الدراسة جزءًا من توجه بحثي أوسع يقوده جوهرجي، بهدف إعادة تعريف جماليات العمارة وفهم السلوك الجمالي للشعوب، بعيدًا عن التنميط الغربي الكلاسيكي، وبما يتماشى مع الخصوصيات البيئية والإنسانية.

كيف تؤثر على الواقع المعماري؟

النتائج المترتبة على هذا المفهوم قد تكون ثورية؛ إذ تفتح بابًا جديدًا لفهم العمارة من منظور أكثر إنسانية وعمقًا. فبدلًا من استيراد أنماط وتصاميم لا تتماشى مع طبيعة السكان، يمكن تطوير عمارة نابعة من الداخل، من الشكل الجيني والبصري للناس أنفسهم.

هذا المفهوم يحظى باهتمام متزايد في الأوساط الأكاديمية والمعمارية، وقد تم نشر ملخصات منه على منصات دولية مثل ArchUp وRe-thinking The Future وDesignLike.

منصة معماري… تغطية رائدة لهذه التحولات

وتجدر الإشارة إلى أن موقع معماري العربي كان من أوائل المنصات التي تابعت وغطّت هذه النظرية، في إطار اهتمامه بتوثيق التحولات العميقة في فنون العمارة، وربطها بالسياق الثقافي العربي، مما يجعله مصدرًا أساسيًا للمتخصصين والباحثين في هذا المجال.

خاتمة

نظرية “أركي-جينيتكس” ليست مجرد فكرة مبتكرة، بل محاولة صادقة لفهم لماذا نحب ما نحب، ولماذا نُشيّد كما نُشيّد. هي تذكير بأن العمارة أكثر من حجارة وزجاج… إنها امتداد لنا، لجيناتنا، لملامحنا، ولرغبتنا الأزلية في أن نعيش وسط ما يُشبهنا.

لقراءة البحث كاملًا، يمكنك زيارة المصدر والاطلاع على محتواه الفريد والمشوّق.